الثلاثاء، 22 ديسمبر 2015

كيف ضبطت ليلى مراد أنور وجدى مع لوسيت الفرنسية بالملاية اللف؟






سافر «أنور» إلى إيطاليا ثم إلى باريس بعد أن اشتد المرض عليه، ومن باريس أرسل إليه خطابا ملتهبا بالحب وأخبرها أنه مريض على شفا الموت، فسافرت إليه، ومنها اكتشفت خيوط الدراما الكبرى فى حياتها، دراما الخيانة. فى باريس كانت تصرفاته نحوها منذ أن هبطت فى مطار «أورلى» مثل طفل يمسك بلعبته ولا يفرط فيها، ومثل الحبيب الذى أضناه الشوق فتعذب، حتى وجد من يطفئ ناره، عندما شاهدها فى المطار جرى نحوها، حملها من فوق الأرض وأخذ يلف بها، شعرت بحبه الحقيقى نحوها، والى الفندق الذى حجز لها فيه جناحا خاصا ذهبا سويا، أغرقها فى الكلام المعسول، وعبارات الحب التى كانت تطلع من فمه وهو هائم فى مشاعره نحوها. هل كان هذا تمثيلا كما يفعل فى أفلامه؟ هل تستطيع المرأة فى عز إغراقها بالحب أن تكتشف أنه يعكس حقيقة أخرى؟ إلى أى مدى يستطيع الرجل أن يخفى خلطته السحرية التى تحتوى على الحب والخيانة فى آن واحد؟ ما هو الحد الذى تستطيع المرأة عنده أن تغفر لمن تحبه؟ هل يحل إفراط الرجل أحيانا فى كرم مفاجئ نحو زوجته، معانى تتناقض مع ظاهر هذا الكرم؟ زاحمت تلك الأسئلة عقل «ليلى» وهى فى باريس، وهى تحت تأثير كل شىء جميل فى ظاهره يفعله أنور وجدى نحوها، كان لهب مشاعره يتطاير نحوها فتمسكه راضية بمشاعر الحبيبة، وظلت على هذا الأمر يومين.. ثلاثة.. أربعة.. المهم أنها استدعت عقلها ليسير جنبا إلى جنب مع قلبها، فتحت طاقة للتفكير، بعد أن منحته إجازة إجبارية لصالح مزيد من رومانسية الحب، الحب الذى قد يعطى أحيانا فسحة من التعطل للعقل بحساباته الجامدة. هل تستطيع المرأة أن تشم رائحة امرأة أخرى فى حياة زوجها، حتى لو تباعدت المسافات بين المرأتين؟ طرحت «ليلى» ما وراء هذا السؤال على نفسها، فوضعت لـ«أنور» مجسا، قالت له أثناء هيامه بها حبا: على فكرة يا أنور: «أنا اتفقت مع الأستاذ محمد عبدالوهاب على فيلم جديد هيلعب بطولته». تبدل حال «أنور»، أصبحت الجنة جحيما، هل كان السبب أن «عبدالوهاب» كان فى مخيلتها حبيبا فى يوم ما، أثناء تصوير فيلم «يحيا الحب» ترقبت لحظة واحدة يكونان فيها وحدهما ولما جاءت قالت له: «أنا بحبك، بحبك قوى قوى، أنا مش قادرة أخبى خلاص». وضع عبدالوهاب ساقا فوق الأخرى، وظل يضرب ركبته بيده اليمنى، ثم ضحك، بصوت عال فى بهو فندق «الوندسور» بالإسكندرية، فقالت: «معناها إيه الضحكة دى.. أنا بحبك»، فاختفت ضحكة «عبدالوهاب» قائلاً: «أنا أفهم إن دى قلة أدب، ازاى تتجرئى وتقولى لى كده»، صعدت إلى غرفتها وقلبها ينزف، وانخرطت فى البكاء»، ثم غنت أغنيتها الشجية العذبة: «ياما أرق النسيم». كانت «ليلى» صغيرة، وعبدالوهاب شابا وسيما تتهافت عليه قلوب البنات، وظل بالنسبة لها «حبها الأول». هل شعر «أنور» بالغيرة حين أبلغته «ليلى» بخبر قيام «عبدالوهاب» ببطولة فيلم جديد؟ أم أنه يغار من تمثيلها بعيدا عن هيمنته؟ أغلب الظن أن الحالتين تحكمتا فى «أنور» فهاج وماج، لكن حواس «ليلى» انشغلت بشىء آخر، سرحت بنفسها إلى تلك الخطابات الغامضة التى كانت تصله من «روما» أحيانا، ومن «باريس» أحيانا أخرى، قررت أن تفك سر هذا اللغز الغامض، أدركت أن ما فعله معها من لهيب الحب فى باريس ليس أكثر من غطاء لبرميل يدفن فيه سره الغامض، فماذا كان هذا السر؟ عادت «ليلى» إلى مصر، وبدأت رحلة البحث، استمعت إلى شائعات وهمسات عن غرق «أنور» فى غرام «لوسيت» الأوروبية شديدة الجمال، وتعرف عليها فى مدينة «فينسيا» الإيطالية، تحولت الهمسات والشائعات إلى نار واقدة حين دعيت إلى حفل عشاء مع أنور عند أحد كبار الصحفيين، كاد عقلها يطير جنونا حين شاهدت الضحكات، ورأت غمزات ولمزات، رأت أن ما يحدث يتقافز فى وجهها، وبالطبع فإن أقسى ما يمر به الإنسان هو تلك اللحظة التى يشعر فيها أن شيئا يدور عنه من وراء ظهره، ورغم إحساسه به فإنه لا يستطيع الإمساك به، ولهذا قررت «ليلى» أن تصل إلى الحقيقة بنفسها، فماذا فعلت؟




بعد أن تأكدت «ليلى مراد» من أن غرام «أنور وجدى» ينصرف إلى غيرها، إلى الفرنسية «لوسيت»، وبعد أن تأكدت من أنها اصطحبته إلى القاهرة وهو عائد إليها من باريس، بعد أن تأكدت من كل ذلك صممت أن تصل إلى الحقيقة بنفسها، أن تقتحم الاثنين معا، فوضعت خطتها لضبطهما معا، وكانت خطة سينمائية فعلا، خطة تؤكد أن «ليلى» التى صعدت بسرعة الصاروخ فنيا، وأصبحت نجمة تتربع على عرش السينما، تواجه الآن أصعب محطاتها، مواجهة استدعت فيها موهبتها التمثيلية، لتلعب من خلالها الدور الذى سيحدد شكل مستقبل حياتها مع الرجل الذى أعطته قلبها ظنا منها أنه هو «قيس» الذى بحثت عنه. سألت نفسها، كيف أنفذ خطتى لضبط «أنور» و«لوسيت»؟. أطلقت خيالها حتى اهتدت إلى فكرتها، اشترت «منديل بأوية وملاية لف» لتنفيذها، وحددت ساعة الصفر. كانت الساعة العاشرة مساء فى أحد أيام شهر يناير، ورغم برودة الجو، وانهمار المطر، إلا أن السيارة كانت تخترق شوارع القاهرة من مسكنها بـ«عمارة الإيموبيليا» وسط القاهرة، إلى حيث توجد «لوسيت» و«أنور». كان معها فى السيارة صديقتها «مارسيل» زوجة عازف الكمان المشهور «يعقوب تاتيوس»، وقفت السيارة عند باب العمارة، ونزلت امرأة منها ترتدى «الملاية» و«المنديل»، مثلت «ليلى» أهم أدوراها فى الحياة، دون أن يظهر فى فيلم سينمائى، طلبت من صديقتها «مارسيل» البقاء فى السيارة ومعها السائق «خضر»، دخلت العمارة، كانت تريد أن تعرف فى أى شقة ودور يوجد العاشقان، فتوجهت إلى «البواب» المختبئ فى حجرته من برد الشتاء، دقت عليها فخرج، سألته عن أى دور يسكن «سى أنور الممثل»، رد: «عاوزة منه إيه يا ست»، قالت «أنا الغسالة الجديدة، ودايخة على العمارة من ساعتين»، سألها البواب: «هو فيه حد ييجى يغسل فى وقت زى ده؟»، فردت: «أنا جايه أتفق معاه على ميعاد» نظر إليها البواب طويلا ثم أشاح عنها قائلاً: «الأستاذ أنور ساكن فى الدور السادس». صعدت ليلى، سمعت من على الباب صوتهما وهما يتحدثان بالفرنسية، وقبل أن تضغط على الجرس، قررت فجأة تغيير خطتها، فعادت إلى سيارتها وطلبت من صديقتها «مارسيل» الانصراف، ودخلت إلى الجراج الذى كان خاليا من السياس، وفيه سيارة أنور «الكاديلاك» وكانت مفتوحة، فدخلت إليها وجلست فى المقعد الأمامى مقررة انتظار نزول «أنور» الذى كان لا يبيت خارج بيته مع ليلى. فى الساعة الثالثة صباحا نزل «أنور» وهو يتضاحك مع «لوسيت»، وما إن اقتربا من السيارة حتى زلزلته المفاجأة. هبطت ليلى من السيارة، تحدثت مع لـ«لوسيت» بالفرنسية: «أنا آسفة يا مدام أو مودموزيل، لكن أنا زوجته». يصف «صالح مرسى» هذا المشهد بـ«المروع»، حيث وقف «أنور» مذهولا لا يعرف ماذا يقول، وراحت الفتاة الفرنسية تتلفت يمينا وشمالا، تنظر إلى «أنور» تارة، و«ليلى» تارة أخرى، وابتسمت ليلى قائلة: «حانفضل واقفين كده ما تتفضلوا بالركوب»، وركب الجميع، وانطلقت السيارة وفيها الثلاثة، «ليلى» و«أنور» و«لوسيت». المرأة التى تتصرف على هذا النحو، هى فولاذية الأعصاب، وتمتلك حدا فاصلا بين العقل والقلب، تؤجل عواطفها، تقهر ضعفها وتستدعى قوتها، تبحث عن هذا السر الذى يجعلها تقف عند الخط الفاصل بين العيش بكرامة، أو البقاء بدونها، «ليلى» وعت كل هذا، قررت أن تحول هزيمتها فى حبها إلى قوة لم يتوقعها الحبيب الذى غدر بها، وكى تفعل ذلك وضعت مخططا متكاملا تعرف بدايته ونهايته. قبل أن تنطلق السيارة بـ«الثلاثة» تخترق شوارع القاهرة، نادت على سائق سيارتها طالبة منه بأن يلحق بهم، وكما يقول صالح مرسى فى كتابه «ليلى مراد»: فى داخل السيارة كانت ليلى تتحدث بلا توقف، تحدثت مع «لوسيت» عن باريس، وعن فينسيا، وعن كان، والكازينو العالمى الشهير، ثم التفتت إلى «لوسيت» قائلة لها: «أرجو أن يكون بلدنا عجبك»، ولما وصل الجميع إلى عمارة «الإيموبليا»، صافحت «ليلى» «لوسيت» بحرارة، ثم أمرت السائق أن يعود بها إلى الشقة التى أتت منها. صعد «أنور وليلى» إلى شقتهما، ترقب أنور ماذا ستقول له؟، لكنه فوجئ بها لا تفتح فمها، بل كانت المفاجأة الكبرى أنها دخلت إلى غرفة النوم، قائلة: «تصبح على الخير». كانت الساعة الرابعة صباحا، هى تجمع مع وصيفتها محتوياتها الخاصة، وهو يجلس فى فوق مقعد بحجرة المكتب، يفكر ثم يفكر، هى انتهت من جمع كل ما يخصها، وهو لا يعرف متى ستنطلق، نامت ساعتين أو ثلاثة بعد أن أنهت مهمتها بجمع كل متعلقاتها، كانت اتخذت قرارها النهائى بالانفصال، لكنها كانت تتفنن فى كيفية إخراجه، بالطريقة التى تحفظ لها كرامتها، وترد لها اعتبارها، وتعوضها كل لحظة رومانسية عاشتها معه، ولم يحسن هو استقبالها. استيقظت فى السابعة صباحا، ارتدت ملابسها وجهزت حقائبها، ويقول صالح مرسى: عندما فتحت باب غرفتها كان «أنور» لا يزال جالسا كما هو فوق مقعده منذ عودتهما سويا دون نوم، وقالت: «أنا ماشية يا أنور». التفت إليها زاهلا وعادت تقول له: «على فكرة أنا مش زعلانة منك، بالعكس، أنا فرحانة جدا». - رد: «عاوزة تقولى إيه؟، فيه واحدة تفرح لما تضبط جوزها مع واحدة تانية؟». - ردت: «أصل الناس كانوا دايما يقولوا لى أنى اتجوزت واحد مالوش قلب، ما يعرفشى يحب غير الفلوس، لكن أنا كنت باقول إن لك قلب، وطلعت أنا صح». - رد: إنت فاكرة نفسك مين؟ شكسبير؟ . - ردت: ولا شكسبير ولا حاجة ، أنا بقول لك اللى أنا حاسة بيه، أشوف وشك بخير. خرجت ليلى وهى تودع قصتها الغرامية مع أنور رغم أنها لم تنسها أبدا.

المصدر اليوم السابع
bedo

About bedo

Author Description here.. Nulla sagittis convallis. Curabitur consequat. Quisque metus enim, venenatis fermentum, mollis in, porta et, nibh. Duis vulputate elit in elit. Mauris dictum libero id justo.

Subscribe to this Blog via Email :